نشرة
كم تبلغ قيمة أصولك الرقمية؟
في العام 2005، كنت أتصفح منتدى الويب العربي ولفت انتباهي أحد «العيال» ممن كان يملك عدة منتديات بأنه يعرض كل مواقعه للبيع. ليست المواقع فقط، كان هناك شيء أشبه بالمزاد مثل «سكربت، استايلات منتدى، قوائم إيميلات، دومينات مميزة، و عدد من المنتديات والمواقع».
دخلت المزاد وأخذت ما راق لي، وسألته قبل تحويل المال عن سبب البيع. كان يقول بأن سيبيع جهازه لأنه «وجد وظيفة في مدينة نائية فالسعودية لا يتوفر فيها اتصال جيّد بالإنترنت»، ولن يكون متفرغ بعد اليوم لإدارة كل هذه الأصول الرقمية. في تلك الفترة لا أحد يتعرف بالعمل من خلال الإنترنت ولم يستطع توظيف أحد مكانه. بالرغم من أنه كان قادر على الدفع بشكل كبير.!
يستغرب بعض الأصدقاء عندما أسألهم حاليًا عن «قيمة أصولهم الرقمية»، بعضهم لا يملك إلا «حسابات على الشبكات الاجتماعية»، وبعضهم الآخر لا يعرف معنى الأصول الرقمية.
إذا درست «مادة الميزانية» أثناء دراستك الجامعية فأنت تعرف الفرق بين الأصول الثابتة مثل العقارات والأراضي والأصول المتغيرة مثل النقود ولأن حياتنا أصبحت رقمية، أنا أجزم بأن الأصول الرقمية تعتبر مهمة، وأنا أقسمها إلى أصول رقمية ثابتة مثل موقعك الشخصي، مدونتك، متجرك الإلكتروني، برمجيات تملكها أو طورتها، تصاميم تملكها. وهناك أصول رقمية متغيرة مثل حسابات في الشبكات الاجتماعية، محتواك الذي تنتجه في الشبكات الاجتماعية وغيرها.

في الأصول الرقمية الثابتة أنت تملك كل شيء تقريبًا، مدونتك وموقعك الشخصي ومتجرك كلها تعود لك. وتملك محتواها ومنتجاتها. فبإمكانك تعديل المحتوى أو حذفه أو إيقاف نشر بعض منه. لكن في الأصول الرقمية المتغيرة مثل حساباتك في الشبكات الاجتماعية، أنت لا تملك المحتوى. أنت مُنتج للمحتوى. «مجرد مكينة تخلق محتوى لصاحب الشبكة» الذي بدوره يستفيد من محتواك في جذب المزيد من المعلنين. بل الأدهى والأمر إذا تم إغلاق الشبكة ثم تم منحك مهلة لتحميل محتواك. تكررت القصة معي ومعك من خلال «قوقل بز، قوقل ريدر، قوقل بلس، باث، قوالا، ديليشيس ..» والقائمة تطول!
النشرات البريدية؛ أصل رقمي ثابت ومربح!
الشبكات الاجتماعية أفسدت «مفهوم أهمية ملكية المحتوى»، لذلك بات من السهل على أيّ مستخدم أن يخلق المحتوى من خلال فتح حساب على الشبكات الاجتماعية، ثم البدء في «إدمان الوصول السهل والإنتاج السهل»، وأعني بالوصول السهل أن تخلق محتوى وتحصل على التفاعل بشكل سريع، أما الإنتاج السهل خذ كمثال ما يحدث في شبكة تك توك الآن، أيّ مُنتج محتوى على تلك الشبكة سوف يلاحظ سرعة التفاعل، وقوة النشر هناك. هل تتلاعب تيك توك بالأرقام أم هي فعلًا أرقام حقيقية نتيجة خوارزميتها الغامضة. لا أحد يعلم على وجه اليقين السبب. لكن الجميع بدأ بالانتقال إلى تك توك.
الجيل الجديد من مستخدمي الإنترنت لا يمكلون «أصول رقمية ثابتة»، كل أصولهم الرقمية متغيره، لكن يمكنهم تلافي ذلك وتحقيق مكسب من حساباتهم في الشبكات الاجتماعية في حال قرروا إطلاق نشرات بريدية، سبق وقلت أيّ مشهور يجب أن يطلق نشرته البريدية الخاصة، المشاهير لا يدركون بأنهم لا يملكون أيّ بيانات عن متابعينهم حتى لو بلغوا ملايين على تويتر أو سناب شات أو انستقرام وغيرهم. أنت لا تملك أيّ بيانات عن متابعينك وبضغط زر ينتهي حسابك. كما حدث مع ترامب :)، كما أن هناك الكثير من الأمثلة بالذات في «انستقرام و تيك توك».
حتى أصحاب المتاجر الإلكترونية يقعون في نفس الخطأ، لا يمكلون أي معلومات عن عملائهم. وهذا خطأ جوهري لا يغتفر لأي تاجر. الحل الجيّد هو أن تقوم بإطلاق نشرة بريدية على منصات مثل كيت.تخيّل أن يتم اختراق كل حساباتك في الشبكات الاجتماعية ما هي وسيلتك لإخبار جمهورك بأنك تعرضت للاختراق، أو أن الكلام الذي سيكتب على هذه الحسابات لا يعد يمثلك. كل ذلك يمكنك من خلال مدونتك، أو نشرتك البريدية.
الكتابة أصعب الطرق لإنتاج المحتوى!
علينا أن ندرك بأن الجيل الجديد من مستخدمي الانترنت الذين تقع أعمارهم ما بين «10 سنوات حتى 24 سنة» غالبًا هو جيل لا يعبر عن أفكاره من خلال «الكتابة»، لكنه يختار الطرق الأسهل والأسرع للتعبير عن أفكاره مثل الفيديو و الصوت والصور بل وحتى الميمز والايموجي. لذلك من الخطأ أن نطلب منهم دعم المحتوى العربي بالكتابة وهم في الأصل غيّر كتّاب .
عندما تعود بالذاكرة قليلًا إلى الجيل الذي بدأ استخدام الانترنت من 2000 وحتى 2010، هذا العقد كان يمثله جيل متقارب العمر، وكانت الإنترنت مكان للمهتمين بالتقنية فقط. تغيّرت الحياة بعدما أصبحت حياتنا رقمية وظهرت الهواتف الذكية. وبات الجميع لديه المقدرة على الدخول للإنترنت، ثم توفرت أجهزة يمكن حملها في كل مكان مثل الهواتف الذكية والايباد ومن قبلهم اللابتوب. حيث كان الجهاز المكتبي هو الشكل الوحيد المتعارف عليه للدخول للإنترنت.
هذا التغيّر تغيّر معه المحتوى «في الإنتاج ونمط الاستهلاك»، دخول كافة الأعمار للإنترنت بدايةً من الطفل الصغير في عمر خمس سنوات الذي يستخدم خيار البحث الصوتي في يوتيوب، وتجده يعرف تمامًا كيف يضغط على زر المايكروفون ثم يرسل الأوامر الصوتية إلى خانة البحث في يوتيوب. وتظهر لديه نتائج البحث. ثم ينطلق في رحلته الممتعه.
هذا الجيل لا يعرف «صوت طقطقة الكيبورد»، في وقت مضى كانت أصوات لوحة المفاتيح في مقاهي الإنترنت، تُشبه لحد ما أصوات خطوات العكسريين في الميدات.من شدة ضرب الكيبورد. هذا الجيل لن يستخدم لوحة المفاتيح الفيزيائية، ولن يستخدم لوحة اللمس. سينشأ جيل جديد علاقته مع الكمبيوتر وكل الأجهزة الذكية يتم من خلال الأوامر الصوتية، اليوم تتنافس أمازون وآبل ومايكروسوفت وقوقل في المنازل الذكية التي يُدار كل شيء فيها من خلال الأوامر الصوتية.
كُنا نناقش أيّ قضية عامة من خلال الكتابة، ونجد أن تدوينة من 1000 كلمة تستغرق كتابتها ساعة كاملة وأحيانًا يستغرق العمل عليها من كتابة وبحث وتدقيق معلومات ومراجعة نحوية وإملائية يومًا كاملًا. اليوم بإستطاعة أي مراهق أن يتفح تطبيق سناب شات أو تيك توك ويسجل رأيه وتعليقه على أيّ حدث من خلال الفيديو في أقل من دقيقة واحدة. هذا الوصول السهل في خلق ونشر المحتوى يجعل من الصعب علينا إقناع هذا الجيل بأن يستخدم الكتابة في التعبير عن أفكاره!
نحن أمام مشكلة في «سلوك المستخدم»
لا تُثقلوا أبناء الجيل الحالي بتطوير المحتوى العربي المكتوب، لعلنا افتقدنا مهارات الكتابة الإبداعية، ونحن جميعًا شُركاء في هذه المعضلة العربية. الجامعات تُخرج طلاب لا يستطيعون كتابة «فقرة كاملة» فما بالك بمقالة. كما أن هناك تأثيرات قد تغيب عنا مثل؛ الوضع الاجتماعي والثقافي والحالة الاقتصادية، كلها تؤثر في إنتاج المحتوى المكتوب.
نحن عبرنا عن أفكارنا بالكتابة ولا زلنا نستخدمها لأننا بدأنا الإنترنت بإتصال رديء جدًا، وكان النصّ هو أسرع وأسهل طريقة للتعبير. كان «الصوت والفيديو والصور» حاضرة وهناك تجارب ولدت مع بداية الإنترنت. إلا إنها لم تشهد إقبال وماتت مبكرًا مثل الغرف الصوتية وغيرها. اليوم الجيل الذي بدأ حياته مع الجيل الرابع من خدمات الإنترنت وبسرعات تفوق 1000ضعف من سرعات الإنترنت التي كنا نعمل بها. سيجد أن الفيديو والصوت هي أفضل و أصدق وسيلة للتعبير عن أفكاره.
السرعة وصلت كل شيء حتى في جانب تعلّم المهارات واللغات، ستجد محتوى هائل على الانترنت يخبرك بأنك تستطيع تعلم اللغة الانجليزية في يومين، وتتعلم البرمجة في ثلاث ساعات، نماذج تقصير المحتوى التي تبتكر أساليب تحرير «تقصّر وتختزل المحتوى» هي النماذج الناجحة الآن، الاستحواذ على اكسيوس كمثال كان بسبب نموذجهم الفريد في خلق مادة صحفية مختصرة للخبر.
هذا لا يعني موت الكتابة والتدوّين، لكني أصنع سقف طموحات عقلاني جدًا، فإذا كان لدينا كمثال مئة مليون عربي يستخدمون الإنترنت، أنا يكفيني فقط مئة ألف مدون وكاتب. نحن لا نستهدف الجميع. نستهدف من يؤمن بأن التعبير بالكتابة هي أفضل وأسهل الطرق منذ حضارة اليونان حتى اليوم.